آل أبو عليان (أولاد علي) حكام القصيم سابقاً ومؤسسي عاصمة القصيم بريدة وأمراؤها لثلاث قرون، من قبيلة بني تميم وفي عشيرة العناقر الموجودين الآن في ثرمداء بإقليم الوشم، خرجوا منها في القرن العاشر للهجرة ورئيسهم آنذاك راشد الدريبي ونزلوا ضريه في عالية نجد ولم يبقوا بها طويلاً، ومن ثم رحلوا عنها ليتخذوا مكاناً آخر يخصهم بحيث يكون نواة لتأسيس بلدتهم والإمارة التي يخططون لها، وكانت بريدة حينذاك بئر ماء ولا شيء غيره يملكه أحد شيوخ آل هذال من بادية عنزة الرحل، كانوا يردون هذا البئر ويضربون خيامهم حوله في فصل الصيف لسقيا ابلهم واغنامهم ويرحلون عنه ويتركونه في فصل الشتاء، فاشتراه منهم راشد الدريبي وبدأ مع بقية عشيرته من آل أبو عليان بعمارة وتأسيس البلدة وأسوارها حول هذا البئر في حدود عام ٩٨٥هـ، وبذلك نشأت المدينة المعروفة والمشهورة اليوم ببريدة (عاصمة القصيم)، وبقيت إمارة بريدة وتوابعها بيدهم حتى عام ١٢٨٧هـ، ولقد كان في هجرة آل أبو عليَّان ومن ثم تأسيسهم لمدينة بريدة وأسواقها والنهوض بها أثراً كبيراً في حياة ونمو إقليم القصيم كافة.
تحدثت المصادر التاريخية عن نشأة بريدة وإمارة آل أبو عليان ومنها ما ذكره العلامة والمؤرخ الشهير ابراهيم ابن عيسى في مجموعه: ((ان بريدة في الأصل كانت ماءً لآل هذال من شيوخ عنزة، فاشتراه منهم الدريبي رئيس آل أبو عليان من العناقر من بني سعد بن زيد مناة بن تميم فعمرها وسكنها هو ومن معه من عشيرته)). ومنها ماذكره كذلك المؤرخ مقبل الذكير: ((أنه في أواسط القرن العاشر تأسست بلدة بريدة بعدما اشترى بئرها راشد الدريبي العنقري التميمي ثم عمرها ثم سكنها هو وذريته وبنو عمه وبقيت الإمارة بيدهم حتى آواخر القرن الثالث عشر الهجري، وفي أثناء ثلاثة قرون تأسست فيه قرى كثيرة وازداد عمرانها فصارت إقليماً يرجع حكمه إلى صاحب بريدة)). وكذلك ماذكره العلامة والبلداني الشهير محمد ابن بليهد في كتابه صحيح الأخبار: ((بريدة بلد واسعة، وجميع القصيم يعد من ملحقاتها، وهي أكبر من عنيزة في موضعها وإمارتها وملحقاتها، فالذي اكتشفها الدريبي من اهل ثرمداء من العناقر، اكتشفها في النصف الأخير من القرن العاشر تقريباً، وبقايا ذريته آل أبي عليَّان الذين لهم ذكر في تاريخ بريدة، وهم رؤساؤها وامراؤها، ومن مشاهير آل أبي عليَّان الأمير حجيلان، والأمير الشاعر محمد العلي العرفج، والأمير عبد العزيز المحمد)). وفي موضع آخر ذكر ابن بليهد: ((تبلغ قرى وخبوب القصيم والمواضع العامرة منه من حدوده الجنوبية إلى الشمالية ومن حدوده الغربية إلى الشرقية ما يبلغ قدره مائتي قرية، وجميع حدود القصيم تابعة لبريدة)). وماذكره الرحالة الانجليزي الشهير تشارلز داوتي في مذكراته عند زيارته لبريدة: (( تأسست بريدة منذ ثلاثة إلى أربعة قرون مضت، وأهل هذه المدينة معروف أنهم من بني تميم، وعددهم لايزيد عن خمسة آلاف نسمة)).
لأسرة آل أبو عليان أهمية تاريخية كبيرة في نجد حيث كانوا ولا يزالون من أشد المناصرين للدعوة السلفية وائمة الدولة السعودية الأولى والثانية وملوك الدولة السعودية الثالثة، فلقد كانت لهذه الأسرة مواقف مشرفة وبطولات وتضحيات ومساهمات كبيرة في تبني ونشر الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبد الوهاب ومد وتثبيت الحكم السعودي في القصيم وشمال الجزيرة العربية، وكان لهم جيش يضرب مشارف الجزيرة العربية، ولهم راية مكتوب عليها عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله). ذكر الدكتور عويضة بن متيريك الجهني في كتابه نجد قبل الوهابية: ((أن آل أبو عليان أصبحوا حلفاء الدولة السعودية وظهروا كأبطال في نصرة القضية السلفية، وفي عهدهم اصبحت مدينة بريدة المركز الإداري والإقليمي في القصيم لتصبح البلدة الأقوى والأكثر نفوذاً ورخاء في القصيم)). وكما ذكر الدكتور عبد الله الصالح العثيمين رحمه الله بكتابه تاريخ المملكة العربية السعودية: ((ان بريدة أول بلدة من بلدان القصيم تعلن ولاءها لقادة الدرعية بالدولة السعودية الأولى الناشئة في سنة ١١٨٢ هـ)). وذلك أن الأمير حمود الدريبي أرسل إلى الإمام عبد العزيز في الدرعية ليبعث الجيوش إلى ناحيتهم ويكون عوناً لهم وناصراً في اخضاع المنطقة للدرعية، فلم يتوان الإمام فأرسل ابنه سعود بالجنود ونازل أهلها ثم أعطاهم الأمان وبايعه غالب أهل القصيم، فرحل عنهم وقصد وطنه كما ذكر ذلك المؤرخ الشهير عثمان ابن بشر في تاريخه.
وكما كان الأمير عبدا لله بن حسن آل أبوعليان أيضاً مناصراً للإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود في غزواته حتى استشهد رحمه الله في أحد معارك توحيد الدولة السعودية الأولى وهي معركة مخيريق الصفا، والصفا: جمع صفاه وهي الأرض الصخرية الصلدة، والعقبة: المكان المرتفع الصعب المرتقى من حجارة الجبل، وقد وقع في تلك العقبة الكثير من الركاب والرجال وقتل من الرجال الذين كانوا مع الإمام عبد العزيز بن محمد نحو خمسين رجلاً ومنهم الأمير هذلول بن ناصر آل ثنيان آل سعود. وكما كان لمحمد ابن الأمير عبد الله بن حسن آل أبوعليان رحمه الله كذلك المواقف المشرفة مع جيش الدولة السعودية الأولى عندما قام بقيادة جيش القصيم في سنة ١٢٠٨هـ إلى دومة الجندل، في جوف آل عمرو في الشمال، فسار بجيش القصيم وهو على رأسهم مع بقية الجيش السعودي وقصدوا تلك الناحية ونازلوا أهلها وأخذوا منها ثلاث بلدان. ثم حاصروا الباقين، فلم يزالوا محاصرين لها حتى بايعوا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة.
وكما كان للأمير حجيلان بن حمد رحمه الله دوراً كبيراً في نشر الدعوة السلفية وادخال الكثير من المناطق في الجزيرة العربية كمنطقة القصيم وحائل ومنطقة الأحساء تحت راية وحكم الدولة السعودية الأولى، وكان عقيد حربٍ دائم الظفر، وصل في غزواته إلى بلاد الشرارات في الشمال وكذلك حدود بادية الشام، وكان من أقوى وأشهر حكام آل أبو عليان على مر تاريخهم وقد كان أمير بلاد القصيم في ذلك الوقت لمدة تزيد عن أربعين سنة متواصلة. ذكر عنه العلامة والمؤرخ الشهير عثمان بن بشر: (( كان الأمير حجيلان بن حمد من أشد الناس حمية لأهل بلدانه، مع محبته لأهل هذا الدين وشدة نصرته له ولأهله)). وذكر الدكتور عبد الله الصالح العثيمين رحمه الله بكتابه تاريخ المملكة العربية السعودية أن أمير القصيم حجيلان بن حمد آل أبو عليان كان أحد أشهر الأمراء والقادة الذين كان لهم أثراً تاريخياً كبيراً في الدفاع عن الدولة السعودية ومداً لحكمها وقد نجح في توطيد الحكم السعودي في القصيم، وقد قام بالكثير من الغزوات لمصلحة ذلك الحكم، وظل أميراً نشطاً في غزواته حتى قضى إبراهيم باشا على الدولة السعودية الأولى. وتحدث الدكتور محمد السلمان عن الأمير حجيلان وقال: (( والحق أن الأمير حجيلان بن حمد قد أثبت تحمسه الكامل لحكومة الدرعية، وقويت شوكة القصيم في زمنه حتى كان يغزو نقرة الشام وفي مشارق المدينة المنورة، بل ان ضم جبل شمر إلى حظيرة الدولة كان على يديه، كما كان له بجانب نشاطه الحربي دور في النشاط الاقتصادي الذي ظهر في زمنه، ومن آثاره العمرانية السور الذي شيد حول بريدة والمعروف باسمه، ولاتزال بقاياه موجودة)).
وكما كان الأمير عبد العزيز بن محمد بن عبدالله بن حسن آل أبو عليان موالياً للدولة السعودية الثانية ومن كبار قادة الجيش فيها. من مواقفه التاريخية ماذكره المؤرخ الشهير عثمان ابن بشر في حوادث سنة ١٢٤٩هـ بأن الأمير عبد العزيز بن محمد كان على رأس جيش القصيم مرافقاً الأمير فيصل بن تركي في القطيف لتوطيد دعائم الحكم السعودي هناك. وبعد مقتل الإمام تركي بن عبد الله على يد مشاري بن عبد الرحمن آل سعود، كان الأمير عبد العزيز بن محمد من أوائل الأمراء والأعيان الذين بايعوا الأمير فيصل بن تركي على السمع والطاعة وعلى المسير والحرب معه ضد حركة تمرد مشاري بن عبد الرحمن آل سعود، وقد تمكنوا بعد معركة مثيرة من القضاء على رؤوس الفتنة، والقصاص من قتلة الإمام تركي بن عبد الله، واسترداد الرياض، وبذلك استطاع فيصل بن تركي أن يتسلم مقاليد الحكم بعد أبيه وتبدأ فترة حكمه الأولى للدولة السعودية الثانية. ولم يتجرأ ابن رشيد أو غيره على اقتحام أسوار بريدة أو حكم القصيم في عهد آل أبو عليان (أولاد علي) لأنهم كانوا الحصن المنيع للبلدة وأهلها من هجوم أي غاشم عليها ولم يضعوا أيديهم في ايدي الأتراك، لأنهم كانوا من أشد المناصرين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وائمة الدولة السعودية الاولى والثانية، وبعض المؤرخين يعزو سبب سقوط الدولة السعودية الثانية إلى زوال إمارة آل أبو عليان التي كانت الحليف الاستراتيجي لهم ثم تحالف آل مهنا مع ابن رشيد وحربهم على الدرعية ثم اسقاطها.
تعرض آل أبو عليَّان وبريدة لعدد من الحملات والهجمات العسكرية الشرسة والحصار الطويل لإقتحام أسوارهم وقلاعهم المنيعة، وذلك بسبب تحالفهم وولائهم للدولة السعودية، وتبنيهم ومناصرتهم لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب. ومن اشهر تلك الحملات حملة حاكم الأحساء دجين بن عريعر في سنة ١١٨٨هـ٬ ثم تلتها حملة عنيفة أخرى بقيادة حاكم الأحساء سعدون بن عريعر في سنة ١١٩٦هـ (سنة ذبحة المطاوعة) والتي استمرت لمدة خمسة أشهر، فبرزت من خلالها شجاعة وفطنة وعظمة شخصية الأمير حجيلان بن حمد رحمه الله في الثبات والصبر في حماية بريدة وأهلها من الهلاك، وقد سطر هذه الحادثة كبار المؤرخون والعلماء النجديون في كتبهم كالعلامة حسين ابن غنام أحد أشهر تلامذة الإمام محمد بن عبدالوهاب وكذلك المؤرخ والأديب العلامة عثمان ابن بشر الذي عاصر الدولة السعودية الأولى والثانية ودون أحداثهما. وكذلك في سنة ١٢٠١هـ تم الهجوم على بريدة بحملة عسكرية أخرى بقيادة حاكم المنتفق ثويني العراق ولكنها فشلت. ثم جاءت حملة عثمانية بقيادة طوسون باشا في سنة ١٢٢٩هـ وفشلت أيضاً. يذكر جون غوردن لوريمر في كتابه دليل الخليج: (( في أوائل مايو وصل طوسون باشا إلى القصيم، وفي الرس لحق حلفاؤه السياسيون من رجال القصيم ومنهم الفرسان الذين طلبوا منه التقدم، ولكن حجيلان أقوى رجل في القصيم كان مخلصاُ في ارتباطه بقضية الوهابيين فلم يشترك في هذا الأمر، بل على العكس جمع أنصاره حوله واستعد للحرب في بريدة)). وفي عام ١٢٣٣هـ وصل إلى بريدة حملة عثمانية أخرى بقيادة إبراهيم باشا فاقتحموها وضيقوا على أهلها وهاجموا المدينة بقصف مدفعي عنيف، وأمطروها بوابل من القذائف، واستولوا على إحدى قلاعها، ورموا حاميتها، وبعد أن قتل من أهلها ستين رجلاً طلبوا الأمان من ابراهيم باشا فوافق بعد ان ارتفع العلم العثماني على قلعة بريدة واخذ معه عبدالله ابن الأمير حجيلان بن حمد.
ذكر الكابتن جورج فورستر سادلير في مذكراته رحلة عبر الجزيرة العربية والذي وصل إلى القصيم في عام ١٢٣٥هـ: ((ضرب الباشا حصاراً على بريدة فاستسلمت خلال ثلاث أيام كان يدعى شيخ هذه المدينة حجيلان وهو في المائة من عمره وكان لمشورته وزن عند الوهابيين لكن تقدمه في السن حال دون تمكنه من إقامة متراس في وجه الباشا)). وقد ورد ذكر حملة ابراهيم باشا والهجوم على بريدة وقصفها بالمدافع في عدد من الوثائق التاريخية الموجودة في دار الوثائق القومية في القاهرة٬ أربع منها كتبها ابراهيم باشا لوالده محمد علي باشا من موقع الأحداث في القصيم. وقد قتل في هذه الحملة علي الحسون (جد أسرة الحسون في بريدة) مع بعض ابناءه بعدما قصفوا مقصورتهم (مقصورة السادة) بالمدافع. ذكر المؤلف ابن عبيد في كتابه تذكرة أولي النهى: (( انه في في الجنوب الشرقي من بريدة وفي حارة السادة يقع موضع آثار حصن عظيم قد ضاد ثويني وابراهيم باشا وكان ذلك الحصن عظيم الحيطان بحيث يبلغ مسطح الحائط ثلاثة أمتار ولاتزال بقيته موجودة حتى الآن)). وقد ذكر الأديب والموسوعي والمؤرخ معلم البستاني في قاموسه: (( ان ابراهيم باشا اخذ بريدة في سنة ١٨١٧ بعد حصار ثلاثة أيام ودك حصونها وكان عليها شيخ من بني عليان)). وذكر فيلكس مانجان العامل في بلاط باشا الأتراك والذي كان ينقل عن الضباط الذين شاركوا في حملة الباشا على نجد ويقول: (بدأنا بالمسير نحو بريدة التي كان قائدها حجيلان بن حمد من المشهود لهم بالشجاعة واستطاع ان يصمد في وجه سعدون ابن عريعر، ولما وصل ابراهيم باشا إلى بريدة، بادر مباشرة إلى تنظيم جيشه، وهاجم المدينة بقصف مدفعي عنيف، وأمطرها بوابل من القذائف، واستولى على إحدى قلاعها، ورمى اعناق حاميتها المؤلفة من ٢٠٠ رجل، واستسلمت بعد قصف مدفعي استمر ٣ أيام)). وقد ذكر الأديب موسى النقيدان في كتابه مسافات في ذاكرة رجل من بريدة: ((ان مراسلات الغازي إبراهيم باشا إلى والده محمد علي باشا الذي زحف إلى نجد للقضاء على الدولة السعودية الأولى تقول ان كل بلدات القصيم استسلمت بلا قتال ماعدا السادة التي واجهنا بها مقاومة، وعائلة الحسون امراؤها ويرجعون إلى بني تميم وهم أقرباء راشد الدريبي آل أبو عليان، هذا العناد والإصرار من عائلة الحسون تشاهده واضحا عليهم في قوة بأسهم واصرارهم الشديد)). وقد تأكد لنا خبر ورواية مقتل جد الحسون وبعض ابناءه رحمهم الله من عدد من الأعمام من كبار السن وأبناء العمومة الثقات من أسرة الحسون في بريدة حفظهم الله. ولم تتوقف الحملات العثمانية الغاشمة على نجد ومن ضمنها القصيم حتى بعد سقوط الدولة السعودية الأولى وتخريب الدرعية، حيث يذكر ابن بشر في حوادث سنة ١٢٣٦هـ مقتل أمير بريدة عبدالله آل محمد بن حسن آل أبوعليان وكذلك محمد بن غانم آل أبوعليان رحمهما الله بعد مقدم حسين بيك ومن معه من عساكر الدولة العثمانية إلى القصيم.
لعبت أسرة آل أبو عليان الدور الأكبر والرئيسي في ازدهار التجارة والزراعة والصناعة وزيادة عدد سكان بريدة وزيادة عمرانها وتفوقها على جميع بلدات القصيم، فهم من جعل بريدة العاصمة المركزية لمنطقة القصيم، وصار لها قوة سياسية وحربية كبيرة مؤثرة في عهدهم، وصار يطلق على امرائهم لقب أمير القصيم الذي لم يحمله غيرهم في المنطقة. ويعتبر الأمير حجيلان بن حمد رائد النهضة لمنطقة القصيم وصاحب مشروع تنموي، فقد ازدهرت التجارة المحلية والتجارة الدولية (قوافل العقيلات) والزراعة والصناعة والتعليم السلفي في زمنه وكان عصره عصراً ذهبياً على المنطقة وكان له سياسة حكيمة في توطين وجذب المهاجرين، فكان هذا هو السبب الرئيسي في زيادة أعداد المهاجرين وزيادة وتوسع البلدات في القصيم بشكل سريع وملفت. تحدث الأديب موسى النقيدان رحمه الله في كتابه مسافات في ذاكرة رجل من بريدة عن الأمير حجيلان بن حمد وقال: ((لا نعرف لبريدة عهداً زاهراً في الأزمان الغابرة إلا عهد الأمير حجيلان بن حمد رمز المدينة وفارسها المشهور الذي استطاع ان يتحالف مع الدولة السعودية ويتضامن مع دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ليحكم شمال نجد كله حتى جبل حوران بالشام. التاريخ يمدنا بمعلومات خطيرة عن الحاكم العظيم (حجيلان بن حمد) الذي استطاع بمدة حكمه ان يترك لنا مدينة تضاعفت عشرات المرات وأصبحت الحاجة ملحة لبناء جامع كبير يستوعب السكان الذين تضاعف عددهم في عهده. استوعب الأمير حجيلان بن حمد رحمه الله كل المهاجرين وفتح المجال لهم ليمارسوا ما يرغبون من عمل وهذا هو سر نجاحها الآن، والتطور السريع الذي نشاهده بتبني المهاجرين ودعمهم، هي سياسة العظيم التي ورثناها نحن وتداولنها عبر القرون التي مرت علينا)). كان الأمير حجيلان يهدف إلى تنشيط التجارة من جهة والقضاء على البطالة من جهة أخرى وانعاش اقتصاد اقليم القصيم بصورة أكبر، فقدم كما يتحدث الرواة المال ومنح الأرض والدكاكين وأعطى الراحلة وأدوات الصناعة والتجارة وغيرها من متطلبات المهن، فشهد اقتصاد القصيم وتجارته حركة غير عادية في ذلك الوقت وانصرف الكثيرون إلى عمليات الاتجار والزراعة وتنامت المهن والحرف اليدوية، وأصبحت بريدة مقصداً وميداناً حراً للتجارة والزراعة والصناعة بأنواعها وأنماطها المختلفة وسجلت الأسواق فيها حضوراً لافتاً حدث عنه المهتمون كثيراً إلى درجة أنه في عهد إمارة حجيلان بن حمد التي استمرت قرابة الأربعين عاماً تم توسيع سور بريدة (العقدة) أو الحامية ثلاث مرات نظراً لتوسع حجم المدينة وزيادة عدد السكان فيها وازدهار الحياة بأوجهها المختلفة. ورحم الله الأمير الفارس محمد العلي العرفج الذي خلد دور آل أبو عليان في تشميخ بريدة في هذه الأبيات:
دارنا و ابها ندلل جارنا ^^ قالها من قالها وحش وهيم
هي شرفنا و اصلنا و هي عزنا ^^ مرجلة رجالنا لو هو ذميم
درانا و اجدودنا من قبلنا ^^ رسومها و شموخها من قديم
كم تعشوا من دونها روس قوم ^^ وادعوا البلدان لعيونه هديم
جعل من عاداه في قل و ذل ^^ او عما ما يوحي الداعي صميم
رحب آل أبو عليان بالمهاجرين إليهم حينما كانت بريدة مقصداً للناس وفتحوا قلوبهم قبل اسوارهم إليهم واكرموهم واعانوهم على صعوبة الحياة في ذلك الزمن ولم يشعروا أحداً منهم أنه غريب او ثقيل عليهم، بل يعدونه واحداً منهم، فاستوطن وبقى كل من هاجر لهم، ونجد هذا سبباً لحب أهلها لها والانتماء والحب الكبير لأرضهم، حيث يقول أمير القصيم وشاعرها محمد العلي العرفج ابوزيد (دار بها اشرب ياشريبي وأنا أشرب) اي الجميع يشربون بالتساوي ولا يتقدم القوي على الضعيف، ولكن للأسف عندما يذكر البعض تاريخ أسرة آل أبو عليان فإن بعض الرواة يبرز جانب واحد هامشي من تاريخهم وهو تنازعهم على الإمارة فقط ويغفل العين عن مآثرهم ويتجاهل محاسنهم ومواقفهم المشرفة مع الدولة السعودية ودورهم التاريخي البارز في تأسيس ونهضة مدينة بريدة ثم انعكاستها الإيجابية حياة القصيم وعمرانه، وهذا الصنيع بميزان العدل لايجوز فيجب أن تذكر محاسنهم أيضاً، واخطائهم تغرق كما قيل في بحر حسناتهم. في عهد آل أبوعليان ومن عاصمة القصيم تحديدا تأسست أسواق العقيلات أشهر أسواق نجد وانطلقت قوافل العقيلات للعالم وتأسس جيل تجاري لا يعرف إلا التجارة والصلاة كما وصفهم أمين الريحاني. لقد نجح آل أبو عليان بامتياز في تأسيس مدينة اسمها بريدة والتي كانت بأسواقها بمثابة الجامعة التجارية في القصيم، تعلم وتخرج منها أجيال تشع نوراً على الجزيرة العربية حتى يومنا هذا. فقد ذكر حافظ وهبه: ((ان اغلب قرى القصيم تعتمد على بريدة ولذلك تسمى بأم القصيم)). وقد دون الكاتب والرحالة المصري محمد شفيق مصطفى مشاهدات وحقائق بعدما قام برحلات في قلب نجد والحجاز ومنها القصيم وقال :(( ويعدون بريدة عاصمة لسائر القرى التي تحيط بها وهي في جملتها تدعى القصيم)). بريدة هي القلب وحجر الأساس لمنطقة القصيم وآل أبو عليان هم حجر الأساس لمدينة بريدة والأمير حجيلان بن حمد رحمه الله هو حجر الأساس لأسرة آل أبو عليان. ولطالما تغنى الشعراء وتفاخروا بأولاد علي ويقصدون بذلك الشخصية القصيمية على وجه التحديد.