قبيلة بني تميم من أشهر قبائل العرب على الإطلاق التي سكنت أرض نجد الواسعة، وتاريخها موغل في القدم وقد وصفها ابن حزم في كتاب الجمهرة بأنها من قواعد العرب الكبرى، ووصفها ابن حبيب في كتابه المحبر بأنها من قبائل الجماجم أي السادات والرؤوساء، فقد سميت بهذا الأسم لأنها بمنزلة الرأس بالنسبة للإنسان، وكان سادات بنو تميم من أئمة العرب وقضاتهم في عكاظ.  وعند ظهور الإسلام كانت قبيلة بني تميم من أعظم قبائل الجزيرة العربية وأوسعها انتشاراً، وقد ساهموا في الفتوحات الإسلامية وسطروا سجلاً تاريخياً حافلاً بالأمجاد والبطولات وخاصة في خرسان والمغرب، إلا أنها كانت من أسبق القبائل العربية إلى التحضر والاستقرار خلال الفترة الإسلامية. وتنتسب القبيلة إلى تميم بن مر بن اد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من ذرية نبي الله إسماعيل عليه السلام. ويقسم النسابة قبيلة بني تميم إلى أربعة فروع كبرى (الرباب، وبني سعد، وبني عمرو، وبني حنظلة) حيث يقول الشاعر غيلان بن عقبة بن نهيس ذو الرمة:

يعد الناسبون إلى تميم      بيوت المجد أربعة كبارا

يعدون الرباب وأل سعد     وعمرو ثم حنظلة الخيارا

كانت بلاد بني تميم قديماً في الدهناء والصمان من يبرين جنوباً إلى سفوان قرب البصرة شمالاً٬ وما بين الخليج العربي والبحرين شرقاً حتى الحجاز غرباً. وكان تركز قبيلة بني تميم في نجد قديماً في أقاليم الوشم وسدير والفرع (حوطة بني تميم) وفي بلاد الجيلين واستوطنوا كذلك في شمال القصيم في القوارة وخف وزنقب وفي وسط القصيم مثل ضارج ورحب وعجلز وهما لايبعدان عن مدينتي بريدة وعنيزة وأما شرقي القصيم فيكاد يكون خالصاً لبني تميم مثل النبقة والشقوق والجعلة والصريف وطرفه والروضة . يذكر الجهضمي في ارجوزته أرض بني تميم الواقعة في القصيم:

حتى إذا أوفت على القصيم           وخلفت أرض بني تميم

قلت لها: جدي ولا تقيمي

        فاختلفت تنحط في رماله              مثل انحطاط الوعل في أجباله

تحذو إذا انحطت على مثاله

      حتى إذا مرت بقاع بولان             مزهوة٬ تخدي أمام الركبان

وقاع بولان الذي قصده الشاعر مكان واسع ومستوٍ يقع جنوب غرب الربيعية اليوم في منطقة القصيم. وفي عهد الدولة الأموية وتحديداً في خلافة مروان بن الحكم٬ جمع شظاظ الظبي ثلة من الصعاليك في القصيم الذين يقطعون الطريق وقد شاع خبرهم في الدولة الأموية وتناقل الناس اخبارهم وفيهم قال الراجز:

الله نجاك من القصيم            وبطن فلج وبني تميم

ومن ابي حردبة الأثيم          ومالك وسيفه المسموم

ومن شظاظ الأحمر الزنيم       ومن غويث فاتح الكعوم

والشاهد في هذه القصيدة ذكر القصيم وبطن فلج وقبيلة بني تميم مقرونة معهم في القرن الأول الهجري، والشاهد الثاني هو ان القصيم كان بمثابة منازل لقبائل البادية في ذلك الوقت ولم يكن عامراً ماعدا بعض القرى الصغيرة جداً. ثم أدى انتقال عاصمة الخلافة الإسلامية من المدينة المنورة إلى دمشق ثم بغداد ثم القاهرة فراغاً حضارياً وسياسياً وعلمياً هائلاً في الجزيرة العربية خصوصاً في المنطقة الوسطى ومنها إقليم القصيم، فمرت على المنطقة عدة قرون انعدم فيها التدوين والمعلومات التاريخية ماعدا نتفاً قليلة٬ لا تسمن ولا تغني من جوع، واستمر هذا الغموض والانقطاع العجيب التي غاب فيه ذكر القصيم في المصادر التاريخية والخرائط الجغرافية من القرن الرابع الهجري حتى نهاية القرن الحادي عشر الهجري.

سطرت قبائل بني تميم تاريخاً حافلاً ومليئاً بالبطولات الملحمية في الجاهلية والإسلام٬ وكان فرسانهم من كبار القادة في الفتوحات الإسلامية أمثال القعقاع بن عمرو التميمي٬ والزبرقان بن بدر٬ والأقرع بن حابس٬ وشرحبيل بن حسنة٬ ووكيع ابن حسان وغيرهم الكثير من الذين أبلوا بلاء حسناً في المعارك المفصلية التي سجلها التاريخ الإسلامي لهم. ثم كان لهذه الفتوحات دور كبير في تحضر واستقرار الكثير من فروع قبيلة بني تميم داخل وخارج الجزيرة العربية حتى قل المنتسبون إلى هذه القبيلة من البدو الرحل.

تعتبر قبيلة بني تميم من أسبق القبائل التي اسهمت في إعادة الاستيطان وإعادة الإسكان في كافة نجد خلال القرون الثلاثة التي سبقت تأسيس الدولة السعودية الأولى. فاستقر في الوشم بعض فروع بني تميم، وكانت أبرز مستوطناتهم: ثرمداء٬ ومرأة (مرات)، واثيفية،والقصيبة (القصب)٬ وذات غسل (القرائن)٬ وشقراء٬ وأشيقر. ثم برزت زعامات نجدية قوية من قبيلة بني تميم ومن عشيرة العناقر تحديداً، يقول المؤرخ د. عبد الله العثيمين: ((كانت زعامات البلدان النجدية تنتمي إلى قبائل عربية مختلفة٬ على أن قبيلة بني تميم احتلت فيما يبدو مكاناً واسعاً بين تلك الزعامات لكثرتها العددية بين السكان من ناحية٬ ولنزعتها الاستيطانية المعهودة منذ زمن طويل من ناحية أخرى٬ ومن أمثلة الأمراء المنتمين إليها أمراء العيينة أقوى بلدة نجدية حينذاك وأمراء ثرمداء وروضة سدير وبريدة)).

يشكل المنتسبين لقبيلة بني تميم اليوم جزء كبيراً من سكان سدير والوشم والسر وينتشرون في جنوب نجد بالعارض والمحمل إلى الخرج وحوطة بني تميم، وكما ان قرى ومدن القصيم حافلة بهم، وكذلك في جبل شمر من سكان قفار وقصر العشروات وسميرا والسبعان. وقد برز في هذا العصر الكثير من الأسر التي تنتمي لهذه القبيلة العظيمة منهم: أسرة آل ثاني حكام قطر، وآل عيادة حكام قفار، وآل حمران أمراء الغزالة، وآل ماضي أمراء روضة سدير، وآل حسين أمراء حوطة سدير، آل سعيد أمراء الجهراء في الكويت، والعناقر منهم آل معمر أمراء العيينة، وآل خنيفر أمراء ثرمداء، وآل أبو عليان أمراء القصيم، وآل غنام أمراء جنوبية سدير، وآل عقيل أمراء قصر ابن عقيل، وآل سهيل رؤساء شمل عشائر بني تميم العراقية، وآل كنعان من النواصر شيوخ بني تميم في البصرة وغيرهم الكثير من الأسر التي ذاع صيتها في الجزيرة العربية. 

لقبيلة بني تميم عدة فضائل في السنة النبوية. فكان الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يحب قبيلة بني تميم وقد روى حديثاً في صحيح البخاري ومسلم يقول فيه: ((لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله ﷺ، سمعته يقول: “هم أشد أمتي على الدجال”، قال: وجاءت صدقاتهم، فقال النبي ﷺ: “هذه صدقات قومنا”، وكانت سَبِيَةً منهم عند عائشة. فقال الرسول ﷺ: “أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل”)) متفق عليه. وفي رواية أخرى قال: ((هم أشد الناس قتالا في الملاحم)) رواه مسلم. وان الصحابي الجليل قيس بن عاصم بن سنان المنقري السعدي التميمي وهو من سادات العرب واشرافهم قد وفد في السنة التاسعة للهجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرمه وقال عنه: ((هذا سيد اهل الوبر)) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.

وقد تميزت قبيلة بني تميم في القديم والحديث بإنجاب العلماء العاملين والأئمة المصلحين أمثال الإمام إسحاق ابن راهوية وهو من الفقهاء المشهورين ومن أصحاب الإمام الشافعي، والإمام زفر بن الهذيل أحد الفقهاء الكبار في المذهب الحنفي، والإمام فضيل بن عياض أحد أعلام أهل السنة، والإمام الحافظ المحدث ابن حبان صاحب التصانيف، والإمام الدارمي أحد أئمة أهل السنة والجماعة وعلمائهم وأحد رواة الحديث النبوي، وعلامة اللغة العربية أبو العلاء عمرو بن العلاء. ولقد خرج من قبيلة بني تميم العديد من العلماء في هذا العصر، ومن اشهرهم أسرة آل الشيخ وهم نسل الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب أهل الإفتاء في المملكة العربية السعودية. تحدث الشيخ بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عن علماء قبيلة بني تميم في كتابه المدخل فقال: ( لا أعرف قبيلة حاضرة من قبائل العرب في قلب نجد كثر منها العلماء مثل قبيلة بني تميم، وقد تتبعتهم في كتاب علماء نجد خلال ستة قرون لابن بسام فوجدت منهم نحو ١٢٠ عالماً). 

عرف عن بني تميم عزة النفس والشعور بالذاتية والاعتزاز بأنفسهم٬ وهم أهل مروءة ومهابة وأهل وفاء وفضل حيث انهم يذودون عن المستجير بهم ولو كلفهم هذا الذود الكثير من دمائهم. وقد سجل الشاعر سلامة ابن جندل السعدي التميمي هذه القصيدة:

 إني وجدت بني سعد يفضلهم                كل شهاب على الأعداء مصبوب

      إلى تميم حماة الثغر نسبتهم                  وكل ذي حسب في الناس منسوب

قوم إذا صرحت كحل بيوتهم                 عز الذليل ومأوى كل قرضوب

                                                                     كنا إذا ما أتانا صارخ فزع                                 كان الصراخ له قرع الظنابيب

وقد أطبق أهل الأخبار على ان سعد بن زيد مناة بن تميم هو أول من اجتمعت له خصلتان: رئاسة الموسم والقضاء في عكاظ عندما كانت قبائل العرب وقادتهم يجتمعون في سوقها شهرًا من كل سنة، يتفاخرون فيما بينهم ويرددون الشعر٬ وفي ذلك يقول المخبل السعدي مفتخراً بجده سعد بن زيد مناة:

 ليالي سعد في عكاظ يسوقها         له كل شرق من عكاظ ومغرب

ويقول جرير التميمي مفتخراً:

ونحن الحاكمون على عكاظ         كفينا ذا الجريرة والمصابا

وهو يعني ان السيادة والمجد والشرف كانت في بني سعد وفي بني تميم من أيام الجاهلية. ولقد دعا النبي ﷺ للأحنف بن قيس السعدي التميمي وهو سيد قبيلة بني تميم٬ ومضرب المثل في الحلم عند العرب وشارك في الفتوحات الإسلامية وتولى إمارة خراسان وهو الذي قال فيه الشاعر:

 إذا الابصار ابصرت ابن قيس           ظللن مهابة منه خشوعا

ولما انتظم الأمر لمعاوية بن أبي سفيان عاتبه، فأغلظ له الأحنف بالجواب، فسئلوا معاوية لاحقاً لماذا تصبر عليه، فقال: (هذا الذي إذا غَضِب غَضَب لغضبه مئة ألف فارس من بني تميم لا يدرون فيم غَضِب).

تحدث الجاحظ عن قبيلة بني تميم وقال: (إن تميم بن مر لها الشرف العود٬ والعز الأقعس٬ والعدد الهيضل٬ وهي في الجاهلية القدام والذروة والسنام). وقال معاوية بن أبي سفيان في فصاحتهم: (لقد أوتيت تميم الحكمة٬ مع رقة حواشي الكلم). وقال ابن حزم عنهم: (هم قاعدة من قواعد العرب) ٬ وقال ابن سلام الجمحي: (إذا كنت من تميم ففاخر بحنظلة٬ وكاثر بسعد٬ وحارب بعمرو)٬ وقال صعصعة بن ناجية: (تميم هامة مضر وكاهالها) ٬ وقول نسابة العرب دغفل الشيباني: (إن تميم حجر خشن إذا صادمته آذاك وإن تركته أعفاك). فهذا كله جعل جرير يقول مفتخراً في قبيلة بني تميم هذه الأبيات:

الم ترى ان عز بني تميم             بناه الله يوم بنى الجبالا

بنى لهم رواسي شامخات              وعالي الله ذروته فطالا

ولقد أتاحت أيضاً هذه المفاخر أن يقف الفرزدق التميمي بين يدي الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ليقول له: (أنا من قوم هم أوفي العرب، وأسود العرب، وأجود العرب٬ وأفرس العرب٬ وأشعر العرب). وقبيلة بني تميم كانت من أعظم قبائل البادية وسط الجزيرة العربية عند ظهور الإسلام وأوسعها انتشارا. قال سلامة بن جندل السعدي التميمي واصفاً الكثرة والفروسية في تميم:

وأنا كالحصى عدداً وأنا                   بنو الحرب التي فيها عرام

وقال أوس بن مغراء السعدي التميمي مفتخراً بضخامة عدد تميم:

ما تطلع الشمس إلا عند أولنا             ولا تغيب إلا عند أخرانا

وختاماً عندما أراد علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر الحديث عن قبيلة بني تميم قال: ((هي القبيلة العظيمة التي تغني شهرتها عن الحديث عنها)).

كتبه د. عبدالرحمن عبدالله الحسون آل أبو عليان