بئر بريدة
بئر بريدة التي قامت عليه المدينة وهو الآن مدفون تحت الرصيف الوسطي لشارع الملك فيصل، أمام بوابة الجامع الكبير الجنوبية وتحت الرصيف الوسطي مباشرة. ودفنت البئر أثناء توسعة شارع الملك فيصل وكانت في مامضى مكاناً للوضوء كان داخل غرفة فيها (قرو) مصنوع من الصخر، والماء يخرج من بئر بريدة يدوياً بواسطة حبل ودلو ويقول المؤلف موسى النقيدان انه كان يتذكره جيداً وقد توضأ منه للصلاة عندما كان الجامع الكبير في بريدة (جامع بني عليان سابقاً) مبني من الطين قبل أن يتأثر بالأمطار سنة الهدام في سنة ١٣٧٦هـ. وكم اتمنى إعادة بئر بريدة الذي اشتراه الأمير راشد الدريبي آل أبو عليَّان وإعادته على ما كان عليه والذي يشكل اهم وأقدم معلم تاريخي لمدينة بريدة وهو الأساس التي قام بعده كل شيء في عاصمة القصيم.
يذكر البعض ان بئر بريدة قديمة جداً لبني ضبينة من ولد جعدة بن غني بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان عبس وسعد أمهما ضبيعة بنت سعد بن غامد من الأزد، وكانت موجودة قبل الإسلام وورد ذكرها في معجم ياقوت الحموي. وأقول ان هذا القول بعيد جداً عن الصواب حيث ان العارفون بمواقع نجد ينكرون ان تكون بئر بني ضبينة هي نفس بئر بريدة التي كانت تحت ملك ابن هذال وباعها على الأمير راشد الدريبي لإختلاف المواقع، فموقع ماء بني ضبينة الوارد في معجم ياقوت يقع غرب اقليم السر بقرب جبلة. ذكر علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر: ( انه من الوهم ما جاء في بعض المؤلفات الحديثة ان بريدة المدينة المعروفة اليوم في القصيم هي نفس بئر ماء البريدة القديم والذي ذكره الأصفهاني في معجم البلدان، إذ هذا البئر يقع في غرب اقليم السر، بقرب جبلة، وبريدة المدينة بعيدة عن منازل بني غني، تقع شمالها بمسافة مئات الأميال). ولنسلم جدلاً ان موقع بئر بني ضبينة في القصيم وليس في الباحة، هناك فرق شاسع بين بئر ماء في صحراء ترده قبيلة وبين مدينة حديثة عامرة بالسكان، فذكر اسم بئر البريدة في معجم ياقوت، لا يعني وجود مدينة بأسوارها وأسواقها وجامعها وحكامها وتاريخها وشعراءها وفرسانها وبشر يعيشون.إذاً هذه البئر بقيت يتوارثها البادية الرحل حتى وصلت لابن هذال العنزي ثم اشتراها الأمير راشد الدريبي آل أبو عليان منه ثم بدأ بعمارة بلدة بريدة مع عشيرته ثم سكنوها وتأمروا عليها ثم دخلت في كتب التاريخ والجغرافيا بعدهم كمدينة متكاملة المعالم. فالحقيقة انه لم يرد ذكر اسم بريدة في المعاجم الجغرافية او كتب التاريخ او البلدانيات القديمة التي درست شبه الجزيرة العربية، وأول نص تاريخي ذكر اسم بريدة ارجع نشأتها إلى النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، اي بعد هجرة آل أبوعليّان العناقر من بلدة ثرمداء في اقليم الوشم.
الجامع الكبير
يعد الجامع الكبير (جامع بريدة) أقدم مسجد وأول جامع بني في بريدة، يطلق عليه سابقاً اسم (جامع بني عليان) نسبة لأسرة آل أبو عليان الذين أسسوا مدينة بريدة وأول من سكنها وعمرها ومن حكمها لثلاثة قرون، ولا يعرف تاريخ تأسيسه على وجه التحديد لكن يقول العبودي ((أول مسجد أسس في بريدة هو جامع بريدة الكبير الذي يتوسط البلدة القديمة، وهناك وثيقة والتي تعتبر من اقدم الوثائق عن مدينة بريدة موجودة في كتاب معجم أسر عنيزة مكتوبة بخط يد الشيخ عبد الله بن احمد بن عضيب قاضي عنيزة بتاريخ ١٠٦٠ هـ تقريباً يذكر بها جامع بني عليان في بريدة)). يعد جامع بريدة (جامع بني عليان) القلب الرمزي لمدينة بريدة والذي كان يسمى سابقاً بجامع بريدة فقط لأنه الجامع الوحيد الذي يؤمه أهل بريدة جميعاً حتى عام ١٣٦٦هـ فلما تعددت الجوامع بعد هذا التاريخ أطلق عليه (الجامع الكبير) للتفريق بينه وبين الجوامع الأخرى، ورد ذكره في عام ١١٥٣هـ لما زار مدينة بريدة الرحالة (المستر رويمر) قال إنه يمتاز بالبساطة مثل الجوامع النجدية الأخرى. استمر الجامع باستقبال المصلين في صلاة الجمعة والجماعة من الأهالي، إلى أن زاد عدد سكان بريدة بشكل كبير، ما استدعى إنشاء جامعي السكيتي والبطين على طرفي بريدة جنوباً وشمالاً في العام ١٣٦٦هـ، وقد تمت إعادة بناء الجامع الكبير على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ويسمى باسمه اليوم (جامع خادم الحرمين الشريفين)، حيث شهد تغييرات وزيادات لم يشهدها في بنائه من قبل، رغم توسعته في عامي ١٣١٣هـ و ١٣٥٩هـ على يد الشيخ القاضي عمر بن محمد سليم، وقد أورد ذلك العبيد في تاريخه، حيث قال ((إن بن عمر بعث للملك عبد العزيز برغبته توسعة الجامع، فبعث إليه بخمسة عشر ألف ریال فرنسي تقدر بخمس وأربعين ألف ریال عربي)) فأصبح يسع خمسة آلاف من المصلين، وفي عام ١٣٧٤هـ أضيء الجامع بالكهرباء من خلال ماطور خاص، وجعل فيه مكبر الصوت لسماع الأذان وخطبة الجمعة. وفي عام ١٣٧٧هـ، والتي عرفت عند العامة بسنة الهدام؛ لكثرة ما تهدم من البيوت والمساجد، بسبب تتابع الأمطار وتواصلها، تم الشروع في توسعة الجامع التي استمرت حتى العام ١٤١٤هـ، حيث شرع في هدمه وبنائه على الطراز الحديث على نفقة خادم الحرمين الشريفين، ولا يزال الجامع يعتبر من الشواهد العمرانية لمحافظة بريدة، حيث يتوسط سوقها القديم الذي لازال محافظا على اجتذاب المتسوقين رغم احاطته بالمراكز التجارية الحديثة.
لم يكن المعمار وجماليته الاستثناء الوحيد الذي يتمتع به هذا الجامع بل الدور العلمي الرائد واللافت فمنذ تأسيسه على يد آل أبو عليان وخصوصاً في عهد الأمير حجيلان وهو مصدر إشعاع علمي وفكري حيث عرف بحلقاته العلمية التي كان له أكبر الأثر في نشر الثقافة الإسلامية وإثراء الحركة العلمية في بريدة والتي كان يقودها المشائخ من آل سليم الذين كان لهم الأدوار العلمية والقضائية بالقصيم خلال نصف قرن من الزمان وإن لمجالس الفقهاء في هذا الجامع آثار وأخبار حيث تلتئم الحلقات وتغص بطلاب العلم لينهلوا من أنهار الشريعة ويستعطرون بعبق السنة وتطرح فيها القضايا الساخنة والدليل والاستشهاد والاستنباط مما جعل بريدة تعيش أجواء علمية مزدهرة، ودعونا نأخذ مقطعاً زمنياً لهذا التوهج العلمي بقلم من عاصر تلك الفترة المؤرخ إبراهيم العبيد، ولقد نقلت ذلك بتصرف يسير من وصفه لمجالس الشيخ عمر بن سليم فيقول (كان الشيخ عمر إذا صلى الغداة جلس يلقي دروس النحو والقواعد إلى طلوع الشمس وغالبا ما يدرس به الأجرومية وقطر الندى وملحة الإعراب وألفية ابن مالك ثم يذهب إلى بيته للاستراحة والوضوء ثم يرجع إلى المسجد ثم يشرع الطلاب في العلوم الدينية حديثاً وفقهاً وتوحيداً وأصولاً وفروعاً وآداباً ويحضر مجلسه من القراء والمستمعين ما يربو عدده ألف وقل ما شئت من الرغبة والحرص في الطلب وبعد صلاة الظهر يجلس للتدريس قدر ساعتين وكذلك بعد صلاة العصر وكان هذا التدريس يجعله لمتن الورقات في الفقه وأصول العقيدة بعد ذلك يأخذ التلاميذ في الدراسة عليه في بلوغ المرام في الحديث حفظاً وقد يدرس في هذا الوقت في مصطلح علوم الحديث وبعد صلاة المغرب في الفرائض فإذا أذن المغرب يقرأ عليه في التفسير والتاريخ) ثم يقول: (ورأينا من الإقبال والرغبة ما لا يخطر على الأوهام وشاهدنا من الانكباب على التدريس ما لا تبلغه عبارة فيا لذلك الوقت والزمان ما أحلاه وما أعظم الأنس وما أحسن ذلك الاجتماع) فكم نحن مدينون لهذا الجامع الذي خرج علماء أفذاذا سطعت أسماؤهم في سماء العلم والمعرفة ومنهم إمام الجامع الشيخ المقتفي لأثر السلف الصالح أبو محمد عبد الله بن إبراهيم القرعاوي فما إن تضع قدمك في أولى عتبات هذا الجامع ويطرق سمعك صوت الإمام وهو يرتل القرآن بقراءة مؤثرة تهز أوتار القلوب إلا وتتخيل أنك قد انتقلت إلى عالم الروحانية والزهد والنسك بما لا يخطر على البال أن يكون في هذا القرن من الزمان، ولقد تميز الشيخ القرعاوي بخطبه الرائعة التي يلقيها من أعواد منبر هذا الجامع فتجذب المخالف وتستميل المفرط وتقرب البعيد وتتألف القلوب وتجلي غشاوات الجهل وترسم طرق النجاة فيزول معها ظلام الشك وضباب الحيرة.
قلعة بريدة
قلعة آل أبو عليَّان الشاهقة والمهيبة وفي وسطها قصر الحكم في بريدة بنيت بالحجارة والطين. انبهر من حجمها الرحالة والمستشرقين ووثقها عدد من المؤرخين العرب، وتعتبر علامة فارقة لبريدة، وتقع في الشمال الشرقي من المدينة في الجردة، ويمكن مشاهدتها بارزة فوق مرتفع رملي من مسافات بعيدة، وعلى كل زاوية من زاوياها مقصورة على شكل برج لأكثر من طابق، والمطل من مقاصيرها يرى مناظر جميلة ورائعة من تلال الصحراء وتموج رمالها. وقد صمدت هذه القلعة مع سور الأمير حجيلان الذي لم يكن له نظير عند إنشائه في أي بلد من بلدان نجد أمام حصار وحملات الغزاة على بريدة. وقد تم تفجير أجزاء من هذه القلعة والقصر في عام ١٢٩٢هـ بعدما تحصن بها آل آبو عليان بعد مقتل مهنا في محاولة منهم لإسترداد إمارتهم المسلوبة. وتم افراد مقال منفرد وخاص بها بعنوان قصر بريدة موجود مع بقية العنواين في القائمة الرئيسية لهذا الموقع.
سور الأمير حمود الدريبي
وهو أول سور بني في بريدة وقد بناه الأمير حمود بن راشد الدريبي آل أبو عليان. ويتوسط هذا السور مسجد بريدة الوحيد الجامع الكبير (جامع بني عليان) (جامع خادم الحرمين الشرفين) الذي اختير موقعه بين النواة والحي الجديد الذي أنشأه الدريبي. وعن الطريقة الفنية والهندسية لبناء الأسوار يقول الربدي لبدء عملية البناء فإنهم يخططون ويحددون الأسوار ومواقع القلاع والأبواب ويحفرون الأساس للأحجار حفراً عميقة تصل لأكثر من ثلاثة أذرع «الذراع نصف متر تقريبا» وسمكه قد يسير عليه البعير لتفريغ الطين لمواصلة البناء.
سور الأمير حجيلان
من مآثر الأمير حجيلان بن حمد والتي تدل على بعد نظره، وحرصه على مستقبل بريدة، ذلك السور العظيم الذي عرف بسور حجيلان، والذي بناه وأحاط به بريدة والذي لم يكن له نظير عند إنشائه في أي بلد من بلدان نجد، وفي نفس الوقت يعتبر أمنع سور أدير حول بريدة في كل تاريخها لأنه صمد أمام حملة حاكم الأحساء سعدون بن عرير والتي استمرت قرابة الخمسة أشهر. وكما عجزت عنه مدافع العراق بقيادة ثويني ومدافع مصر التي أحضرها إبراهيم باشا.
ميدان الجردة وأسواقها
ميدان الجردة في بريدة واحد من اكبر الميادين التجارية في الجزيرة العربية حيث تدار فيه صفقات تجارية ضخمة. وكما يعتبر الميناء البري لقوافل العقيلات القادمة من الشام والعراق ومصر والمغادرة لهما. وقد ذكر بعض الرحالة الأجانب انه فيه أكبر سوق للإبل في العالم. كانت جردة بريدة في القديم بمثابة الجامعة التجارية في القصيم، والتي تعلم وتخرج منها كبار الأسر التجارية في المملكة العربية السعودية. وكما كانت باحة للمساجلات الشعرية، وساحة تقام فيها العرضة النجدية قبل الخوض في المعارك، وكما كان ميدان يجتمع وينطلق منه جيش القصيم للمشاركة في توطيد الحكم السعودي بقيادة الأمير حجيلان بن حمد رحمه الله ومن جاء بعده من الأمراء.
سوق العليان
من أوائل الأسواق التي عرفت داخل أسوار بريدة القديمة تقع جنوب الجامع الكبير وقد أخذ جزء منها طريق الملك فيصل والباقي لازال مقاماً عليه أسواق الذهب والملابس والأقمشة، ولم يبق من الأسواق القديمة إلا ما دون في صفحات الكتب وحفظ في ذاكرة الرواة والشعراء.
سوق قبة رشيد
يعتبر واحد من أقدم الأسواق الشعبية في مدينة بريدة وينسب السوق لمنشأه الأمير رشيد بن حجيلان أحد أمراء آل أبوعليان عام 1206 هـ والذي بناه حينما أقام قصراً جديدًا وربطه بقصره القديم بقبة على ممر تجاري في السوق فكان يستظل تحته عن الشمس والأمطار وأصبح مع مرور الزمن واحد من معالم مدينة بريدة التجارية. ويعتبر سوق قبة رشيد واحد من أقدم وأهم الأسواق في منطقة نجد لتسويق البضائع حيث كان فيه أكثر من 100 حانوت لبيع التمر والسمن والإقط والجراد والملابس والأحذية الجلدية المصنوعة محليًا وكذلك كان يحوي محلات لبيع اللحوموالبرسيم وكان قبة رشيد ملتقى للرسائل التي يرسلها أبناء المدينة لأهاليهم حيث كانت تصل إلى بعض الدكاكين ومن ثم توصل إلى المرسل إليه.
سوق داحس
ويعتبر سوق داحس و سوق قبة رشيد هما النواة الأولى لمدينة بريدة ولم يطرأ عليهما أية تغيرات حتى الآن ما عدا تلك المظلة التي وضعت فوقه بعدما أصبح سوقاً للذهب ، وتدرجت فيه الأسواق على مر العصور التي مضت من سوق للأبل إلى مقصب إلى سوقٍ للبضائع النسائية إلى سوقٍ خالصٍ للذهب. وسوق داحس بناه والد الشاعر الفارس الأمير محمد العلي العرفج آل أبوعليان ويعتبر أول سوق للبيع والشراء في بريدة من الأبل حتى البضائع الأخرى العادية وكان سوقاً قبل أن ينتقل،
سوق مهارش
يبدأ سوق مهارش من الشرق عند طرف قبة رشيد من الشمال الذي كان باب عقدة سور حمود الدريبي ثم يتجه غرباً حتى يصل قبة فوزان بطول حوالي ستين مترا وكان به من كلا الجانبين حوانيت يجد فيها المتسوق من أهل البلدة والقرى التابعة لها كل ما يحتاجه من طعام وغيره وهو أول سوق عرفته بريدة منذ تأسست وليس هناك من مسافة تفصل ما بين هذا السوق وقبة رشيد.
سوق الوسعة
واحد من أقدم وأهم الأسواق التراثية في بريدة وبالقرب من الجامع الكبير يطلق عليه اسم (الوسعة) وتعني المكان الواسع. يحيط بالوسعة المحلات التجارية من ثلاث جهات: الجهة الغربية، والجهة الشمالية، والجهة الشرقية، ومن الناحية الجنوبية يحدها الجامع الكبير، ولها مداخل صغيرة من جهاتها الثلاث، وتتنوع بضاعة الدكاكين فيها، فمن الأواني المنزلية إلى الأقمشة النسائية وانتهاءً بالعطارة العربية والعطور، وأكثر رواد ذلك السوق هنّ النساء، ولا يستغرب تواجد الرجال فيها يبيعون ويشترون لأنها سوق تراثي شعبي، وفي ساحة الوسعة يقام حراج أسبوعي تباع فيه التراثيات والنحاسيات والسجاد. ومن الوسعة يتفرع سوق صغير يتجه شمالاً تقع على جانبيه دكاكين المهنيين المحليين من النجارين، والخرازين (الإسكافيين) والحدادين، ويطلق العامة على ذلك السوق (سوق الصنانيع). وقد دخل سوق الوسعة ضمن توسعة الجامع الكبير بعد أن تم هدمه وتوسعته ومن ثم بناؤه بطراز حديث على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله.
كتبه د. عبدالرحمن عبدالله الحسون آل أبو عليان