من الشخصيات التاريخية الباهرة واللافتة الفارس الهمام والبطل المقدام الأمير حجيلان بن حمد آل ابوعليان العنقري التميمي. أحد أهم قادة الدولة السعودية الأولى ومن أشهر أمرائها الذين استطاعوا ان يوصلوا راية الدولة السعودية لسوق الشيوخ في العراق وكذلك بلاد الشام. وكان من أقوى وأبرز حكام آل أبو عليان على مر تاريخهم، وقد كان أمير بلاد القصيم في ذلك الوقت لمدة تزيد عن أربعين سنة متواصلة. وقد قام بدور كبير في حماية ونشر الدعوة السلفية واخضاع العديد من المناطق في الجزيرة العربية كمنطقة القصيم وحائل والأحساء تحت راية وحكم الدولة السعودية الأولى، وكان عقيد حربٍ دائم الظفر، وصل في غزواته إلى بلاد الشرارات في الشمال وكذلك حدود بادية الشام. يذكر الدكتور عبدالكريم الغرايبه بكتابه قيام الدولة السعودية: ((أن أمير القصيم حجيلان بن حمد، دافع بنجاح ضد الحملات المتتالية التي شنت على بريدة، وبعد سنوات استطاع ان ينتقل من الدفاع إلى الهجوم، فهو أول قائد سعودي استطاع ان يوصل راية السعودية لسوق الشيوخ في العراق وكذلك بلاد الشام)). استطاع الأمير حجيلان بن حمد كذلك ان ينقل بريدة ومعها القصيم نقلة تاريخية لا يجحدها منصف حيث اصبح للقصيم في عهده شأن ومكانة تجارية وسياسية كبيرة. فعندما تولى الإمارة استطاع ان يحول مدينة بريدة من بلدة صغيرة إلى مدينة حضرية، واصبح لبريدة نفوذ مباشر في إقليمها الخاص القصيم وإقليمها الواسع نجد وشمال الجزيرة العربية، واصبح هناك هجرات واسعة إلى القصيم بعد نشاط كبير وتوسع ملحوظ في الحركة التجارية. بدأ نشاط حركة القوافل التجارية (العقيلات) في عهده حيث قام بتنظيمها وتجهيزها بالسلاح والإبل وأمن عاصمة القصيم (بريدة) بسور عظيم لا نظير ولا شبيه له في نجد قاطبة وبقيت آثاره إلى يومنا الحاضر.
قال عنه العلامة والمؤرخ الشهير عثمان بن بشر: (( كان الأمير حجيلان بن حمد من أشد الناس حمية لأهل بلدانه، مع محبته لأهل هذا الدين وشدة نصرته له ولأهله)). وقد ذكر الدكتور عبد الله الصالح العثيمين رحمه الله بكتابه تاريخ المملكة العربية السعودية أن أمير القصيم حجيلان بن حمد آل أبو عليان كان أحد أشهر الأمراء والقادة الذين كان لهم أثراً تاريخياً كبيراً في الدفاع عن الدولة السعودية ومداً لحكمها، وقد نجح في توطيد الحكم السعودي في القصيم، وقد قام بالكثير من الغزوات لمصلحة ذلك الحكم، وظل أميراً نشطاً في غزواته حتى قضى إبراهيم باشا على الدولة السعودية الأولى. وتحدث عنه كذلك الدكتور محمد السلمان في كتابه الأحوال السياسية في القصيم وقال: (( والحق أن الأمير حجيلان بن حمد قد أثبت تحمسه الكامل لحكومة الدرعية، وقويت شوكة القصيم في زمنه حتى كان يغزو نقرة الشام وفي مشارق المدينة المنورة، بل ان ضم جبل شمر إلى حظيرة الدولة كان على يديه، كما كان له بجانب نشاطه الحربي دور في النشاط الاقتصادي الذي ظهر في زمنه، ومن آثاره العمرانية السور الذي شيد حول بريدة والمعروف باسمه، ولاتزال بقاياه موجودة)).
يعتبر الأمير حجيلان بن حمد رائد النهضة لمنطقة القصيم وصاحب مشروع تنموي، فقد ازدهرت التجارة المحلية والتجارة الدولية (انطلاق قوافل العقيلات) والزراعة والصناعة والتعليم السلفي في زمنه وكان عصره عصراً ذهبياً على الإقليم وكان له سياسة حكيمة في توطين وجذب المهاجرين، وكان يسعى إلى تحقيق الأمن في عموم القصيم، فكان هذا هو السبب الرئيسي في زيادة أعداد المهاجرين وزيادة وتوسع البلدات في القصيم بشكل سريع وملفت. يتحدث الأديب موسى النقيدان رحمه الله في كتابه مسافات في ذاكرة رجل من بريدة عن الأمير حجيلان بن حمد ويقول: ((لا نعرف لبريدة عهداً زاهراً في الأزمان الغابرة إلا عهد الأمير حجيلان بن حمد رمز المدينة وفارسها المشهور الذي استطاع ان يتحالف مع الدولة السعودية ويتضامن مع دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ليحكم شمال نجد كله حتى جبل حوران بالشام. فالتاريخ يمدنا بمعلومات خطيرة عن هذا الحاكم العظيم (حجيلان بن حمد) الذي استطاع بمدة حكمه ان يترك لنا مدينة تضاعفت عشرات المرات وأصبحت الحاجة ملحة لبناء جامع كبير يستوعب السكان الذين تضاعف عددهم في عهده. استوعب الأمير حجيلان بن حمد رحمه الله كل المهاجرين وفتح المجال لهم ليمارسوا ما يرغبون من عمل وهذا هو سر نجاحها الآن، والتطور السريع الذي نشاهده بتبني المهاجرين ودعمهم، هي سياسة العظيم التي ورثناها نحن وتداولنها عبر القرون التي مرت علينا)).
تحدث عنه الأديب سليمان النقيدان في كتابه من شعراء بريدة وقال: ((لو اراد باحثاً او كاتباً ان يكتب صفحات من تاريخ بريدة، فإنه لابد ان تبرز أمام مخيلته صورة حجيلان لتقول له “قف أنا هنا”، وكذلك الحال لو اراد الكتابة عن سيرة حجيلان فإنه لابد ان تبرز أمام مخيلته صورة بريدة، وكأنهما جسماً واحداً لا يجوز الفصل بين أعضائه. ذلك أن السنين التي أمضاها أميراً على بريدة تعد نقلة من مرحلة قاتمة السواد، إلى مرحلة أكثر إشراقاً وانفتاحاً. فقد كان رحمه الله خير حاكم يقتدى به في ذلك العهد لشجاعته وسداد رأيه، وحبه وعطفه على أبناء جنسه، مما خلع عليه ألبسة فضفاضة من المحبة والتقدير والاجلال والاكبار. وقد عزز مكانته ورفع من شأنه وقوفه جنباً إلى جنب مع أئمة آل سعود الأفذاذ ومناصرته للدعوة السلفية. أما عن غزواته فحدث ولا حرج فقد امتدت حتى وصلت إلى المدينة المنورة وبلاد الشام وعاد منها مكللًا بالنصر والغنائم. وبدون مبالغة في الوصف أو إسراف في الكلام فإننا نستطيع القول أن في شخصية حجيلان وجوه متعددة الاتجاهات والأنماط. إنه رجل مكتمل المزايا والصفات، بحيث لا تستطيع تفضيل هذه عن تلك: رأي.. شجاعة.. مروءة.. صدق.. عاطفة ! وخير دليل على ذلك استمراره بالإمارة أكثر من أربعين سنة)).
كان الأمير حجيلان بن حمد رحمه الله يهدف إلى تحقيق الأمن من جهة وتنشيط التجارة وانعاش اقتصاد القصيم والقضاء على البطالة من جهة أخرى، فقد قدم كما يتحدث الرواة المال ومنح الأراضي والدكاكين وأعطى الراحلة وأدوات الصناعة والتجارة وغيرها من متطلبات المهن، فشهد اقتصاد القصيم وتجارته حركة غير عادية في ذلك الوقت، وانصرف الكثيرون إلى عمليات الإتجار والزراعة وتنامت المهن والحرف اليدوية، وبدأت قوافل العقيلات بالتحرك، وأصبحت بريدة والقصيم في نجد مقصداً وميداناً حراً للتجارة والزراعة والصناعة بأنواعها وأنماطها المختلفة وسجلت أسواقها حضوراً لافتاً تحدث عنه المهتمون في تاريخ القصيم كثيراً، إلى درجة أنه في عهد إمارة حجيلان بن حمد والتي استمرت قرابة الأربعين عاماً تم توسيع سور بريدة (العقدة) أو الحامية ثلاث مرات نظراً لتوسع حجم المدينة وزيادة عدد السكان فيها وازدهار الحياة بأوجهها المختلفة، فاصبح من بعده لإقليم القصيم مكانةً وسمعة كبيرة بين أقاليم الجزيرة العربية، واصبحت بريدة من بعده واحدة من أكبر البلدات التجارية واكثرها كثافةً في السكان في وسط الجزيرة العربية. يذكر جون لويس بوركهارت في كتابه ترحال في الجزيرة العربية: ((نجد الذي معناه الأرض المرتفعة، داخل هذه المساحة يوجد مايزيد على ست وعشرين بلدة أو قرية صغيرة، مأهولة تماماً بالسكان، الذين يعيشيون في مناطق زراعية، يجري ريها من آبار عدة. والمدينة الرئيسية هنا هي بريدة، التي يقيم فيها شيخ القصيم، ذلك الرجل كبير السن الذي يسمونه حجيلان)).
اجتمعت في الأمير حجيلان صفات عديدة يندر ان تجتمع في رجل واحد بحيث لا تستطيع تفضيل هذه عن تلك: بعد النظر، وحسن التخطيط والإدارة، والحكمة، والدهاء السياسي وصواب الرأي والمشورة، والحزم، والفروسية والشجاعة، والحمية، والمروءة، والشهامة، والكرم وسيرته تشهد له بهذه المزايا، فهو الأظهر سيرة، المحمود شأنه، العالية أعماله. وخير دليل على هذه الصفات هو استمراره بالإمارة لأكثر من أربعين سنة وهذا لم يتوفر لغيره من الأمراء في جميع بلدان نجد. وقد عرف عنه كذلك توجهه للعمل الخيري حيث انه خصص دوراً لرعاية الأيتام والأرامل واللقطاء والمشلولين وذوي العاهات والمعتوهين ووفر لهم الطعام والشراب واللباس حتى اصبح الناس اذا رأوا أحداً من هؤلاء قالوا سلموه لحجيلان او اذهبوا به لقصر حجيلان. وقد تحدث سليمان النقيدان في كتابه من شعراء بريدة نقلاً عن الرواة: (( أن الأمير حجيلان في سنة من السنين قد كثر عليه الصرف والإنفاق بسبب إيواءه الفقراء، وكانت سنة مسبغة وجوع حتى على الأصحاء والقادرين على العمل دون ان تمتد إليه يد العون والمساعدة من أمير أو حاكم من البلدان المجاورة، وهو لايقوى أن يغير عادة الكرم فيه ولا أن يكبح جماح عاطفته، لكن فرج الله قريب، حيث قبض رجاله على ثلاثة من الجمال المحملة بالنفائس من ذهب وفضة وألبسة تابعة للإمام سعود بن عبدالعزيز طيب الله ثراه قادمة من شمال نجد ومتوجهه إلى الدرعية يقودها حراس مسلحون، فاعترض لها رجال حجيلان بعد أن أعطوهم الأمان واحتجزوها في محاذة بريدة حتى يتم إبلاغ حجيلان، فلما أبلغوه بها أخذ منها جملاً وأذن للجملين الباقيين بمواصلة سيرهما. فعلم الإمام سعود وغضب غضباً شديداً من هذا التصرف. وأخذ يتهدد ويتوعد، وكتب لحجيلان يأمره بالحضور والمثول بين يديه فوراً. فلما حضر إلى الدرعية ومثل بين يدي سعود قال له: من أمرك بالتعدي على قافلتنا ياحجيلان؟! فرد قائلاً هون عليك واحلم يإمام، فأنا لست بقاطع طريق، وما أنا إلا واحد من رجالك المطيعين لأوامرك، والجمل لم آخذه لجيبي الخاص أو لبيتي، ولكن قصري كما تعلم ويعلم الجميع يعج بالفقراء من كل صنف ولون، والصرف عليهم فوق طاقتي ويكلفني، وليس من مروءتي أن أفتح باب قصري وأخرجهم او اجعلهم يموتون جوعاً، كذلك لا أستطيع أن أمنع الجائع والفقير عن دخول قصري. فلما سمع الإمام مقالته تراجع وابتسم وحيا فيه شهامته ومروءته وكرم أخلاقه)).
كان الأمير حجيلان مستشار صائب الرأي وكان لمشورته وزن كبير عند أئمة الدولة السعودية الأولى. فهو الذي أشار على الإمام سعود بن عبدالعزيز في معركة الشيط سنة ١٢٠٧هـ: ((كل على ما يريد يشير وهؤلاء المشيرون مقصدهم الغنيمة ونحن مقصدنا عز الإسلام والمسلمين، وكما يقال في الأمثال (رأس الحية ياموسى)، انهض بالمسلمين في ساقة هذه الشوكة، فإن أظفرك الله بهم، لم يقم لهؤلاء القوم بعدها قائمة، حتى الأحساء بيدك وأعطاك الله من الأموال ماهو خير مما في محلتهم، وهؤلاء الجنود هم رؤساء القوم ورجالهم وشوكتهم، وبالفعل نهض الإمام سعود بمن معه من الفرسان والركبان واستأصلوا تلك الجموع، ولم يقم لحكام الأحساء بعد هذه المعركة قائمة)). يذكر الكابتن جورج فورستر سادلير في مذكراته رحلة عبر الجزيرة العربية والذي وصل إلى القصيم في عام ١٢٣٥هـ: ((ضرب الباشا حصاراً على بريدة فاستسلمت خلال ثلاث أيام، وكان يدعى شيخ هذه المدينة حجيلان وهو في المائة من عمره، وكان لمشورته وزن عند الوهابيين لكن تقدمه في السن حال دون تمكنه من إقامة متراس في وجه الباشا)).
أشار الحافظ محمد الكربلائي إلى قلعة بريدة وكذلك أشار إلى عدل وشهامة وخيرية الأمير حجيلان بن حمد وأشار إلى الأمن الذي يعيش فيه القصيم تحت حكمه في كتابه تذكرة الطريق في مصائب حجاج بيت الله العتيق ودون مذكرات يومية لرحلة حاج في شبه الجزيرة العربية سنة ١٢٣٠هـ وقال: ((أقام الحجاج خيامهم خارج القلعة، وكانت أرض بريدة رملية، وكانت تحيط بها كثبان الرمل أيضاً، وكان الماء فيه شيء من الملوحة ولكن القمح فيها على غاية الجودة، وكانت تحتوي من التمر بأنواعه الكثيرة، وكانت تحتوي على الكثير من الثمار، ولا شيء يعدل الأمن هنا، وكان حكم الأمير حجيلان نافذاً على الجميع، ولا يمكن لأحد ان يتخلف عنه. بل إن الأمن الموجود هنا لا يوجد حتى في الهند وبلاد العجم ولا في الروم ولا في العرب، وهذا ماتفقت عليه كلمة الجميع، وقد حل كبار الحجاج ضيوفاً عليه، ورحب بقدومهم ضيوفاً إلى منطقته وحاميته، وكما أعرب عن حزنه وبالغ أسفه على منعهم وصدهم عن الحج وأضاف قائلاً تمنيت لو أنهم حملوا إلي خبر وفاة عبدالله وهو ولدي الوحيد، على ان اسمع بما جرى عليكم من المصائب، وعلى كل حال أنتم الآن في ضيافتي، وسألبي لكم كل طلباتكم، ومن أراد منكم العودة إلى العراق، أرسلت معه رجلاً موثوقاً، ومن أراد مواصلة الطريق نحو المدينة المنورة أو الطائف أو مكة المكرمة أرسلت معه أيضاً رجلاً أيضاً من الموثوقين عندي، القصد انكم لن تروا سوءاً بعد هذا اليوم)).
من القصص التي حفظتها الذاكرة التاريخية عن الأمير حجيلان هي ما ذكرها منديل آل فهيد في كتابه من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية: (( انه وشي إلى الأمير حجيلان بن حمد برجل يلقب المحرب ادعي عليه انه يغازل النساء، وكان حجيلان يقدر ذلك الرجل لفرط شجاعته إلا أنه لابد من القيام بواجب الإمارة، فدعاه وأسر إليه بالأمر وأشعره في نفس الأمر بتقديره ومحبته إلا أنه لا يرضى بما لا ينبغي واقترح عليه بأن يمده بمطية وجهازها وزاد سفره على ان يغادر البلاد مع جماعات عقيل لطلب الرزق والمضاربة فإذا طالت المدة ونسيت الشبهه فلا بأس بالعودة. وهذا خير من المرافعة العلنية قبل المحرب اقتراح الأمير، فلما تجهز للرحيل جاء ليودع الأمير حجيلان فوجد المشتكين عنده، فقال المحرب: انما جئت لأودعك أيها الأمير واحب ان اسمعك أبياتاً، ثم تلا عليه هذه الأبيات:
ذي ديرتي مانيب فيها فداوي ولا رجيت من الحسا كسوة العيد
دونه نخلط الدرج هو والشفاوي من دونها ما اطيع عمروا ولا زيد
افعالنا صارت حكايا قهاوي وافعالهم شربوا عليها المقاصيد
يا أمير هذا من كبار البلاوي اللي عصير عندكم مثل ابا زيد
تعرض الأمير حجيلان خلال فترة حكمه للقصيم لعدد من الحملات والهجمات العسكرية الشرسة والحصار الطويل لإقتحام السور الشهير الذي بناه وقلعة بريدة المنيعة، وذلك بسبب تحالفه وولائه الشديد للدولة السعودية، وتبنيه ومناصرته لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب. ومن اشهر تلك الحملات حملة حاكم الأحساء سعدون بن عريعر في سنة ١١٩٦هـ (سنة ذبحة المطاوعة) والتي استمرت لمدة خمسة أشهر، فبرزت من خلالها شجاعته وفطنته وعظمة شخصيته رحمه الله في الثبات والصبر في حماية بريدة وأهلها من الهلاك وكذلك حماية شيخ القصيم ومعلم التوحيد الأول عبدالعزيز بن سويلم من القتل، وقد سطر هذه الحادثة كبار المؤرخون والعلماء النجديون في كتبهم كالعلامة حسين ابن غنام أحد أشهر تلامذة الإمام محمد بن عبدالوهاب٬ وكذلك المؤرخ والأديب العلامة عثمان ابن بشر الذي عاصر الدولة السعودية الأولى والثانية ودون أحداثهما وقال: ((كان رئيس بريدة يومئذ والمقوم لهذا الحرب والثابت في هذا الضرب والكرب، حجيلان بن حمد من رؤساء آل أبي عليان)). وقد قال الأمير حجيلان في هذا الحصار قصيدة ووجهها إلى سعدون بن عريعر:
الأقدار يرمن الفتى بالجهاير وكلٍ إلى ما قدر الله صاير
فلو زانت الدنيا ليالٍ فنكرها كثير وترمي بالخطا والخطاير
فرد النبا يا طارشٍ قد لفت به من الهجن وجناً من بعيد المساير
لقيدوم هباس المناعير باللقا وحمال بالضيقات عنها الكباير
حرٍ فهو مقدم ظعن كل قبيله منا الضيف في غبر السنين العساير
حليف الندى سعدون بن محمد حريب الردى يوم احتمال الجراير
ابا اسئلك بالله العظيم الذي بنا بيتٍ تجيه اكبارها والصغاير
وش الذي تبغيه منا ترى الولي الى علت يا زبن المراميل غاير
لك الخير مبسوطٍ على جاهد الوطا ومن لا يراعي الله بالغدر جاير
ترى نجد يا عيد المراميل ما بها من الفضل الا ما يضيف الخطاير
وخالقك لو نلنا احذاها معيشه صبرنا ولو سقنا اكبار الخساير
فكم ليلةٍ بتنا مقاوا وجودنا للاضياف والعاني ندور الستاير
انقاسي بها من سو كل قبيله ونمرح بسوٍ بين شورٍ وشاير
وغادي ومنحاشٍ وطمعٍ وخايف وصوعٍ ومصيوعٍ من السو ناير
وبالصبح نفجا الضد منا بغاره تخلا بها جرد السبايا عقاير
كم واحدٍ منا شجاعٍ مجرب يخلا على البيدا ولا هوب ثاير
وكم قايد أضعان رميناه والقنا الى حقت الضيقات يدعى كساير
وياما ذبحنا من مقادم قبيله الى درهمن الزمل والعقل طاير
الله بحق ايات عما ويوسف انه يجنبنا جميع النكاير
ويدفع عنا كل سوٍ تريده يا مزبن الجيران معطي البداير
حنا فلا نجفاك وانت جفيتنا بلا سبب منا على الناس صاير
وطاوعت فينا كل كلبٍ امبلل كويناه من حر الضنا بالحظاير
لا عاد شحاذ ٍويبدي صداقه وهو والولي يدي عليك البشاير
ليتك اتميز يا ذوي الجود والثنا ومن له بزينات المعالي ذخاير
لما كان تجفانا وتبدي صداقة لمن هو عدوٍ في عطاياك باير
وحنا هل الفعل الذي تكره العدى وندقم شبات الضد الى ابدا النكاير
وصبارتٍ بالحرب لو طال هجرته وللضيف ريفٍ في السنين العساير
وصلو على خير البرايا محمد عدد ما لعى القمري وما طار طاير
وقد وقعت حادثة (ذبحة المطاوعة) عندما أجمع أهل القصيم على نقض البيعة و الحرب، سوى أهل بريدة و الرس و التنومة، و قتلوا كل من ينتسب إلى الدين عندهم خصوصا المعلمين الذين يعلمونهم أحكام الشريعة، و تعاهدوا أن كل أهل بلد يقتلون من عندهم في يوم معروف، و لم يشعر بذلك أحد، فلما مضوا إلى بلدانهم أرسلوا إلى سعدون بن عريعر يخبرونه بذلك و استحثّوه بالقدوم عليهم، فبادر في الحال و أمر بالرحيل و استنفر العربان فأقبل بجنوده فحين قرب من القصيم ، قام أهل كل بلد و قتلوا من عندهم من العلماء المعلمة، فقتل أهل الخبراء إمامهم في الصلاة منصور أبا الخيل و ثنيان أبا الخيل، و قتل آل جناح رجلاً عندهم من أهل الدين و الصلاح ضرير البصر و صلبوه بعصبة رجله و فيه رمق حياة ، و قتل آل شماس أميرهم علي بن حوشان و فعل أهل البلدان ذلك الفعل و أقبل سعدون بعدده و عدته، و جمع جموعاً من بني خالد و غيرهم و استنفر الظفير و عربان شمر و من حضر من عربان عنزة فأقبلت تلك الجموع و نزلوا بريدة، و أحاطوا بها و بادر منهم رجالاً للقتال فظهر بهم أهل البلد و قتلوهم و أرسلوا رؤوسهم إلى سعدون فامتلأ غيظاً و غضباً . وقال ان ظفرت بأهل هذا البلدة قطعتهم إرباً إربا، وحين نزل بريدة أرسل إليه أهل عنيزة على سبيل الإكرام والامتثال من كان عندهم من أهل الدين وهما عبد الله القاضي وناصر الشبيلي، فقتلهم سعدون صبراً، ونالوا شهادة وأجراً.
ثم إن سعدون لما رميت الرؤوس بين يديه، زحف على البلد بجنوده وحصل بينهم قتال شديد فلم يحصل على طائل، ثم ساروا يوماً آخر على السور وراموا الصعود عليه وهدمه، فقاتلهم أهل البلد أشد القتال عنده فانهزموا عن السور وتركوا قتلاهم، ثم رأى سعدون أن يسوق آلاته وجموعه ويهدمون سورها وبروجها، فأقبل بكيد عظيم وساقها عليهم وقت الصباح فرجعوا ولم يحصلوا على طائل. فتحسر سعدون على ذلك وأرسل إلى أعوانه من اهل القصيم وغيرهم يشاورهم فيما يكيد فيه لأهل بريدة، فاتفق رأيهم أن يعمل مدفع كبير يهدم به السور، فجمع له أعوانه من أهل القصيم كثيرا من آنية الصفر والنحاس، فقاموا يعالجون صبّ المدفع وصنعته فكلما أرغوها في قالب خبت، وكما أوقد عليها النار فسدت. ففسد عملهم ولم يتم لهم أملهم فقاموا يراوحونهم ويغادونهم القتال والنصر لأهل بريدة في زيادة.
وفي أثناء هذه الحرب بنى سعدون قصراً قريبا من البلد وأتمه، وجعل فيه رجالاً من قومه، فانتدب إليه رجال من أهل البلد فهدموه وقتلوا أهله، وفي أثناء تلك المدة أغار سعيد بن عبد الكريم أمير الرسّ ورجال من بلده على سارحة سعدون. فأخذوا غنم سعدون وهي أربعمائة، ثم عدا رجال من أهل بريدة على بيت من الشعر جعله عبد الله بن رشيد رئيس عنيزة للحرب فأخذوه وجروه وقتلوا فيه أربعة رجال، وكان رئيس بريدة يومئذ والمقوم لهذه الحرب والثابت في هذا الضرب والكرب؛ حجيلان بن حمد من رؤساء آل أبي عليان، فتحقق من ابن عمه ورجال معه خائنة لعدوهم، فأرسل إليه وضرب عنقه. فلما قتله ثبت أهل البلد. واتّفق أهل بريدة على الثبات والحرب، فلما مضى خمسة أشهر، وضاقت صدور العربان والمحاربين، عزموا على اقتحام البلد فصنعوا عجلا من الخشب يريدونه وقاية عن الرصاص لمن يمشي خلفه، وساقوه إلى مرقب البلد، وفي المرقب من أهلها عشرة رجال. فاجتهدت تلك الجنود، في وصول العجل، ولم يجدوا إلى ذلك سبيل فرجعوا به.
ثم حمل سعدون وجموعه على البلد حملة هائلة وساقهم إليها، فحصل عند السور والبروج من القتال والازدحام أمر عظيم، وقاتلهم أهل البلد قتالاً شديداً وردوهم على أعقابهم وقتل منهم عدة قتلى فداخلهم بعد ذلك الفشل وهموا بالرحيل. وذكر لي أن حجيلان تزوج في آخر الحصار، فلما سمع سعدون ضرب الدفّ سأل عنه، قيل له: أنه مضروب لعرس حجيلان فعند ذلك، ارتحل هو وجنوده وتفرق أهل القصيم إلى بلدانهم وخرج حجيلان على أثرهم بأهل بريدة إلى بلدة الشماس، وقتل من وجد فيها وهرب أهله، فانزعجت قلوب أهل القصيم بعد ذلك. فأرسلوا إلى حجيلان وطلبوا منه الأمان، وطلب عليهم النكال من الأموال والسلاح، وصبروا بذلك، ووفد عليه رؤساء بلدانهم، وكان حجيلان من أشد الناس حمية لأهل بلدانه، مع محبته لأهل هذا الدين وشدة نصرته له ولأهله. ومن آثار فشل ابن عريعر في محاصرته لبريدة ورجوعه عنها أثر كبير على تقلص نفوذه في القصيم، فقد قام بعدها أمير عنيزة عبدالله بن رشيد على آل جناح وتغلب عليهم وأجلى الكثيرين منهم فتبعوا بني عنهم في الأحساء والقطيف (تاريخ ابن غنام + عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر + تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد لابن عيسى + مطالع السعود في تاريخ نجد وآل سعود لمقبل الذكير).
وبعدما فشلت حملة حاكم الأحساء تم الهجوم على بريدة وتم حصار أسوارها في سنة ١٢٠١هـ بحملة عسكرية أخرى بقيادة حاكم المنتفق ثويني العراق ولكنها فشلت. ثم جاءت حملة عثمانية بقيادة طوسون باشا في سنة ١٢٢٩هـ وفشلت أيضاً. يذكر جون غوردن لوريمر في كتابه دليل الخليج: (( في أوائل مايو وصل طوسون باشا إلى القصيم، وفي الرس لحق حلفاؤه السياسيون من رجال القصيم ومنهم الفرسان الذين طلبوا منه التقدم، ولكن حجيلان أقوى رجل في القصيم كان مخلصاُ في ارتباطه بقضية الوهابيين فلم يشترك في هذا الأمر، بل على العكس جمع أنصاره حوله واستعد للحرب في بريدة)). وفي عام ١٢٣٣هـ وصل إلى بريدة حملة عثمانية أخرى بجيش جرار كبير ومدافع ثقيلة بقيادة إبراهيم باشا فاقتحموها وضيقوا على أهلها وهاجموا المدينة بقصف مدفعي عنيف، وأمطروها بوابل من القذائف، واستولوا على إحدى قلاعها، ورموا حاميتها، وبعد أن قتل من أهلها عدد من الرجال طلبوا الأمان من ابراهيم باشا فوافق بعد ان ارتفع العلم العثماني على قلعة بريدة واخذ معه عبدالله ابن الأمير حجيلان بن حمد. وفي سنة ١٢٣٤ رحل باشا الأتراك من القصيم بعدما هدم الدرعية وفعل الأفاعيل في نجد واخذ معه الأمير حجيلان وتوفي المدينة رحمة الله رحمة واسعة.
كتبه د. عبدالرحمن عبدالله الحسون آل أبو عليان